غضبة ملكية على التطور العمراني للدار البيضاء!

ديابوراماقبل أيام، ترأس وزير الداخلية محمد حصاد اجتماعا بمقر ولاية الدار البيضاء، لينقل للمسؤولين عن المدينة استياء الملك العميق إزاء المشاريع العمرانية المحيطة بالمدينة القديمة. قبل هذا الاجتماع أمرت سلطات عمالة الدار البيضاء أنفا بهدم المقر التجاري للشركة العقارية العامة (CGI)... إليكم القصة الكاملة.

في 09/02/2016 على الساعة 12:00

الفضاء الذي كان يحتضن المقر التجاري للشركة العقارية العامة . Le360 : Adil Gadrouz

 نحن في ليلة 24/23 يناير الماضي، ويبدو أن هدم عمارة الشركة العقارية العامة، ما هو إلى الوجه الظاهر لجملة من القرارات جاءت لتضع حدا للتجاوزات التي تطبع أحد أهم المشاريع المهيكلة للدار البيضاء، فهدم العمارة المذكورة، تبعه توقيف الأشغال في العديد من الأوراش لمشروع "كازا مارينا"، بينها فندق فخم... يحدث هذا في مشروع يشكل حجرة مهمة في الطموح الملكي حول العاصمة الاقتصادية، الذي عبر عنه في خطاب بالبرلمان في 11 أكتوبر 2013.

لا تنمية حضرية بالدار البيضاء دون المدينة القديمة

تبقى إعادة تأهيل المدينة القديمة بالبيضاء في قلب المشاريع الممتدة على منطقة الميناء، في هذا الصدد، يحكي مصدر لـLe360 حضر الاجتماع الذي ترأسه حصاد أن "مشروع "كازا مارينا" فشل لحد الآن في إدماج المدينة القديمة، في وقت تمني فيه ساكنة العاصمة الاقتصادية النفس بإعادة الاعتبار للمواقع التاريخية بالمدينة".

الواقع أن عَصَب مشروع "كازا مارينا" ومشروع "وصال" بالميناء هو المدينة القديمة نفسها، ولا يمكنهما البتة الخروج إلى أرض الواقع بمعزل عن المواقع التاريخية، فالمدينة القديمة كانت مهد المقاومة البيضاوية، ليصبح مصيرها اليوم في كف عفريت، بعد ما تحالفت عليها الدور الآيلة للسقوط مع إفقار ساكنتها، لتعطينا مدينة قديمة مرادفة للبؤس والهشاشة، لولا أن حظيت مؤخرا باهتمام ملكي ينشد تنميتها وإقلاعها.

مكانة المدينة القديمة في المشاريع التي تحيط بها، جعلها تستفيد مبدئيا من غلاف مالي قيمته 300 مليون درهم، ستضاف إليها 300 مليون درهم أخرى من أجل إعادة تأهيلها، بمناسبة إطلاق مشروع "وصال كازا بور"، ليكون مجموع الغلافين الماليين هو 600 مليون درهم، وهو مبلغ كفيل لأن يبعث المدينة القديمة من رماد الهشاشة، تماشيا مع الإرادة الملكية.

غير أن شيئا من هذا لم يتحقق، فقد انحاز المشروع عن المسار الذي رسم له سلفا، وما سور الصقالة إلا دليل على ذلك، بعد أن زحف الإسمنت على هذا المكان التاريخي، وتغيرت هوية الساحة التي كان من المفروض أن تربط بين الصقالة بالمدينة القديمة، عما أريد لها بداية. لتتناسل الأسئلة عن مصير المشروع برمته، وهل الأمر يتعلق بحاجة إلى غلاف مالي جديد؟ ومن سيؤدي؟ وهل ستقبل شركة "وصال"، التي عهد إليها إعادة إدماج المدينة القديمة، هذه التجاوزات؟

إجابة على هذه التساؤلات، فباستحضار هوية "وصال" التي عرفت أكثر بالاستثمار في المجالين السياحي والثقافي، وهي المكونة من خمسة صناديق سيادية (المغرب، الإمارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، والعربية السعودية)، يظهر أنه من المستبعد أن تقبل هذه الجهات المانحة بفشل النهوض بالمدينة القديمة، ويكفي أن نلقي نظرة على باقي مشاريع "وصال" بطنجة والرباط التي تدور في فلك الثقافة والفن، كحال وادي أبي رقراق الذي استفاد من خمس منشآت ثقافية: المسرح الكبير، الذي صممته زهى حديد، متحف الأرشيف، متحف الأركيولوجيا وعلوم الأرض، ثم دار الثقافة. لتكون الخلاصة أن مشاريع "وصال" تنسجم مع رؤية الملك محمد السادس.

بيد أنه يظهر أن من قام بتعديل تفاصيل المشروع الذي يهم الصقالة، لا يعي البتة أهمية الثقافة في مشاريع "وصال"، فأعداء الثقافة هؤلاء، لم يكلفوا نفسهم عناء معرفة ما إذا كانت "وصال" ستقبل بالمس بتفاصيل مشروعها.

نهضة المدينة القديمة في قلب كل المشاريع

يعتبر مشروع إعادة تأهيل المدينة القديمة أحد أهم الأوراش في العاصمة الاقتصادية، فهذا المشروع يروم بالأساس تحسين شروط عيش الساكنة، وخلق منشآت جديدة، ناهيك عن الحفاظ على الأماكن التاريخية، ثم تطوير الجاذبية السياحية وتحريك الأنشطة الاقتصادية.

في تفاصيل المشروع، الذي يفترض أن يمتد إلى حدود سنة 2018، نجده ينقسم إلى ثلاثة برامج محورية، أولها يهم الأوراش التي تتصف بـ"الأولوية" من أجل تحسين شروط عيش الساكنة، عبر إعادة إسكان أصحاب دور الصفيح، وساكنة العمارات العمومية، إلى جانب قاطني الدور الآيلة للسقوط.

أما المشروع الثاني فيهم دراسة وتشخيص الدور المهددة بالانهيار، أما ثالث المشاريع فيهدف إعادة تأهيل المباني ذات القيمة الهندسية التاريخية، ثم وضع مخطط للإنقاذ... ولهذا الغرض شملت لائحة المباني المستهدفة، ضريح سيدي علال القرواني، والكنيس اليهودي التدغي، وأربعة فنادق تاريخية.

يعد مشروع "وصال كازا بور" أحد أبرز المشاريع الخاصة بالمدينة القديمة، يكفي فقط التذكير بكونه وضع 6 ملايير درهم كاستثمار له، بحسب ما أعلن في أبريل 2014، ويمتد على مساحة 12 هكتار، تضم مكونات عمرانية وسياحية وثقافية.

وإلى جانب خلق مركز حضري جديد في منطقة الميناء، يضع مشروع "وصال" نصب عينيه أوراشا بهدف تطوير البنية التحتية المرتبطة بالأنشطة البحرية، عبر ميناء جديد للصيد، وتحويل أحد الأوراش البحرية، ووضع مرفئ للعبارات، كل هذا سيرتبط أساسا بـ"مارينا"، بهدف خلق مَعلَم بحري ذا بعد دولي للدار البيضاء والدفع بالسياحة الترفيهية.

منذ 2006.. تعديلات لا تنتهي

أطلق مشروع "كازا مارينا" في 2006، على مساحة 26 هكتارا، باستثمار فاق 8 مليار درهم. في البدء كان هدف المشروع جعل الواجهة الساحلية للمدينة تتمتع ببنايات عصرية ومنسجمة مع محيطها، في احترام تام لهندسة المدينة القديمة، بل وتنميتها على حد سواء.

منذ 2006، بدأ مسلسل التعديلات، عبر لجنة يترأسها والي الدار البيضاء، ليفتح الباب على جملة من الخروقات همت هذا المشروع.

ومعلوم أن الهدف من إنشاء "كازا مارينا"، كان هو خلق قطب حضري، يجمع بين الحداثة لكن مع الإبقاء عليه في تناغم مع هندسة المدينة القديمة.

هذا التزاوج بين القديم والحديث جاء ليمنع ظهور نمط عمارات حديثة بـ"المارينا" عبارة عن كتل من الخرسانة والحديد والزجاج دون روح المدينة. فـ"كازا مارينا" جاءت أولا وأخيرا وفق رؤية للنهوض بالمدينة القديمة وساكنتها، ومنح المدينة انفتاحا على البحر، تجعل من الدار البيضاء حاضرة منفتحة على مجالها البحري، كحال كبرى المدن العالمية مثل برشلونة.

المضاربات ترهن مستقبل البيضاء

هدم المقر التجاري للشركة العقارية العامة(CGI)، والذي أردفه إيقاف أوراش أخرى، شكل إنذارا حازما لإعادة المدينة القديمة في صلب جميع المشاريع المحيطة بمنطقة الميناء. دون إغفال المكون البشري ودمج هندسة المشروع مع محطيه، فلا يمكن للاستثمارات الكبيرة أن تشكل عذرا من أجل فرض الأمر الواقع، فلا ضير من تقويم الاعوجاجات بدل تحمل العواقب بشكل دائم.

الدار البيضاء، باعتبارها عاصمة اقتصادية تعيش طفرتها في الظرفية الحالية، في حاجة ليكون لعمرانها لمسة إنسانية، تزاوج الحداثة بالتاريخ، بدل جعلها رهينة في يد المضاربات العقارية، التي فرضت منطقها وضاعت معها مخططات التنمية المستدامة للمدينة، وهذه بالضبط رسالة الغضبة الملكية التي أوصلها بالتأكيد وزير الداخلية للقائمين على المشروع.

تحرير من طرف حفيظ
في 09/02/2016 على الساعة 12:00